الحائط الذي نسند عليه ظهورنا .. بقلم بهيجة حسين
إن قراءة الواقع بصفته مقدمة للقضية التى سنتحدث عنها فى السطور القادمة يؤكد أن الشعب المصرى تم حجب تاريخه العظيم عن عقله ووجدانه.
ووصل الأمر إلى تحقير هذا التاريخ، وحتى الآن لم تضع الدولة خطة ورؤية لوضع التاريخ الفرعونى فى موضعه الصحيح فى المدارس والمؤسسات الثقافية. الموضع والمكانة التى يحتلها فى دول العالم المتحضر. التاريخ الذى ما زال وسيظل يبهر العالم.
إن قراءة الواقع بجدية ومسئولية، تؤكد أننا سنصحو على كابوس مفزع فى المستقبل القريب. وهو خلو مصر من كنوزها الأثرية.
كنوزها التى لا مثيل لها فى العالم، ولم تعرف البشرية قرينا لها. آلاف القطع الأثرية تم سرقتها والاتجار بها. نهب تخصصت فيه عصابات معروفة دولياً. مافيا تغولت وفجرت- من الفجور- دون رادع.
نشطت جريمة نهب الآثار مع الانفلات الأمنى والاسترخاء والتسيب غير المبرر وغير المقبول فى المؤسسات المعنية بعد ثورة ٢٥ يناير عام ٢٠١١. نقول نشطت نعم، ولكنها لم تبدأ فهى جريمة قديمة ومستقرة وراسخة.
وقد أصبح خبر اقتحام المتاحف وسرقة مقتنياتها خبرًا عاديا، ولم يعد التنقيب عن الآثار من شذاذ الآفاق وفاقدى الهوية وتهريبها قضية تثير الدهشة أو الغضب، فهى أيضًا قد أصبحت شيئًا عادياً.
والمثير للغضب وكأننا نحتاج لمزيد من جرعات النكد أن عددا من وسائل الإعلام المقروءة والمرئية أذاعت خبرًا كارثيًا، ولم يرد عليه أحد حتى الآن. يبدو أن التغييرات الحكومية وانتظار الجلوس على كرسى الوزارة أو الإبعاد عنه شغلهم عن الرد. والخبر الكارثة هو وجود بعثة أثرية المانية فى محافظة الشرقية تنقب عن الآثار برئاسة أستاذ يهودى يعمل بالجامعة البريطانية بقطر، ولا يوجد مشكلة فيما يتعلق بهذه التفصيلة، وليس هنا تكمن الكارثة، ولكن الرائحة تنضح عندما نعرف أن البعثة تنقب بتمويل من قطر. وأنها تنقب عن فرع النيل الذى حمل صندوق «موسى» عليه السلام.
هل «فاحت» الرائحة؟ رائحة قطر ورائحة رئيس البعثة. تلك الرائحة التى لم يتحملها أهالى المنطقة التى يتم العبث بها ويتم انتهاك حرمتها. فالهدف هو افتعال وجود مكان يخص اليهود ويخص تاريخهم فى بلادنا، وهى الفرصة التى لن يتركوها وستصبح مسمار جحا الذى أسس الصهاينة عليه وجودهم بافتعاله، والتمسك به والبكاء على أطلاله على مرأى ومسمع من العالم. والتاريخ الصهيونى ترسانة من الأكاذيب.
وبالمناسبة دحض وفند وكذب هذا التاريخ المكذوب الزائف أساتذة تاريخ فى جامعات إسرائيلية، وشكلوا مجموعة باسم «المؤرخين الجدد» وبعضهم عوقب من الدولة العنصرية.
نعود لموضوعنا الأساسى وهو أن لعاب إسرائيل يسيل منذ زمن على دق مسمار جحا فى تاريخنا، وقد يكون سبب استباحة آثار الشرقية هو بعدها عن المناطق الأثرية الأكثر شهرة، ويزيد من عفونة الرائحة أن التمويل قطرى وهو الأمر الذى يعنى بوضوح أنها الغطاء الدنس لإسرائيل. وفوق كل هذا وقبله وبعده متى تهتم الدولة بآثار محافظة الشرقية التى لا تقل قيمتها عن بقية آثار مصر، وهى بمعرفة الجميع معرضة للإهمال الفاضح والنهب.
هل هناك قول آخر غير أن ليس بين أيدينا أبهى من تاريخنا العظيم. علموا أولادنا تاريخ بلادهم فى المدارس، علموهم احترامه فهو الحائط الذى نسند عليه ظهورنا وبدونه لن نبنى مستقبلا يليق بنا وبه.
---------------
.