"الأغا التركي" يركع أمام مصر وروسيا
طارق حسن
تخلت تركيا أمس للمرة الأولى عن الرئيس المعزول محمد مرسي، وقال رئيس وزرائها بن على يلدريم أمس تعليقًا على اتجاه بلاده إلى تطبيع العلاقات مع مصر: «دعونا ننحى أمر عزل مرسي جانبًا.. الحياة مستمرة، نحن نعيش في نفس المنطقة ونحن بحاجة إلى أنفسنا».
وقال يلدريم إن العلاقات مع القاهرة ستبدأ على المستوى الوزاري، مؤكدًا في كلمة ألقاها أمام نواب البرلمان التركي، أن مرحلة التطبيع بدأت بين روسيا وتركيا.
وقال: «أدت اتصالات غير مباشرة بين زعيمينا إلى نتائج، وبدأ الجليد في العلاقات يذوب، وبدأت مرحلة التطبيع».
وجاءت تصريحات يلدريم بعد اتصال أجراه الرئيس رجب طيب أردوغان بنظيره فلاديمير بوتين، قال الكرملين إنه تقدم خلاله باعتذار عن إسقاط مقاتلة «سو- ٢٤» في العمليات العسكرية بسوريا، لكن تركيا من جانبها شددت على أن الاتصال لم يتضمن اعتذارًا.
وتتحرك أنقرة على أكثر من اتجاه لتطبيع علاقاتها مع محيطها الإقليمى بعدما اضطربت علاقاتها به إثر دعمها جماعة الإخوان بوجه خاص.
كما نفى يلدريم نية بلاده تسديد تعويضات إلى روسيا على إسقاط المقاتلة، وقال بعد ساعات من اتصال بين الرئيس التركى رجب طيب أردوغان ونظيره الروسى فلاديمير بوتين: «أنقرة تهدف إلى تطبيع علاقاتها مع روسيا ومصر وغيرهما من جيرانها في البحر المتوسط، وكذلك البحر الأسود، لكننا لن ندفع تعويضات».
وأضاف أن تركيا عبرت فقط لروسيا عن أسفها لإسقاط الطائرة.
ونقلت قناة «سى إن إن تورك» أمس الثلاثاء عن يلديريم قوله إن «الحديث لا يدور عن دفع تعويضات لروسيا عن الطائرة، نحن فقط قدمنا اعتذارنا».
وقال الكرملين أمس الأول الإثنين إن أردوغان اعتذر لبوتين في خطاب.. وأكد متحدث باسم أردوغان إرسال الخطاب لبوتين لكنه لم يشر بشكل مباشر إلى تقديم اعتذار قائلًا إن الرئيس التركى أبدى أسفه وطلب من أسرة الطيار أن «تلتمس لنا العذر».
وأعلن القصر الرئاسى في روسيا أن الرئيس فلاديمير بوتين سيتصل بنظيره التركى لمناقشة الموقف المتأزم بين البلدين، بعد الاعتذار الرسمى عن إسقاط طائرة العام الماضي.
وأكد الكرملين في بيان رسمى أن تطبيع العلاقات بين البلدين مازال أمرًا مستبعدًا في المرحلة الحالية، وهناك الكثير من الأمور التي سيجرى مناقشتها والإجراءات التي سيجرى اتخاذها لاحقًا.
وقالت صحيفة «موسكو تايمز» إن أردوغان استجاب لجميع مطالب بوتين، وأبرزها الاعتذار رسميًا لروسيا عما حدث، والاعتراف بالخطأ في إسقاط طائرات تركية مقاتلة روسية فوق سوريا العام الماضي، وأخيرًا الموافقة على دفع تعويض لعائلة الطيار الروسى الذي لقي مصرعه في الحادث.
وكان دميترى بيسكوف، السكرتير الصحفى للرئيس الروسى قد أكد، أمس الأول الإثنين، أن أردوغان بعث برسالة إلى بوتين أعرب من خلالها عن تعازيه لعائلة طيار «سو-٢٤» واستخدم كلمة «أعتذر».
وأسقط سلاح الجو التركي، في ٢٤ نوفمبر الثانى ٢٠١٥، القاذفة الروسية. ووصف الرئيس فلاديمير بوتين، وقتذاك بأنها «طعنة في الظهر».
وجاءت الاتصالات التركية الروسية، بعد يوم واحد من إعلان تركيا توقيع اتفاق لتطبيع العلاقات مع إسرائيل.
ورغم الاعتراضات الكبيرة التي واجهها أردوغان داخل تركيا والرفض لتوقيع اتفاق التطبيع الذي يراه الكثيرون مهينًا للبلاد، إلا أنه أصر على استكمال المفاوضات وتوقيع اتفاق التطبيع.
وقال أردوغان في خطاب مساء الأول الإثنين الماضي، على هامش مأدبة إفطار أقامها في قصره الأبيض، إن إسرائيل نفذت الشروط التركية المطلوبة وبالتالى لم تعد هناك حاجة لمعاداتها.
وأكد أردوغان أن أهم شرط طلبه كان اعتذار إسرائيل عن قتل ١٠ أتراك وإصابة واعتقال عشرات آخرين، كانوا في المياه الدولية على متن السفينة التركية «مافى مرمرة»، والتي كانت ضمن أسطول بحرى لفك الحصار عن غزة، وهو ما حدث بالفعل.. لكن إسرائيل لم تعلن أبدًا الاعتذار عن الهجوم على الأسطول أو قتل المواطنين الأتراك.
وقال الرئيس التركى إن رئيس وزراء إسرائيل «بنيامين نتنياهو» اعتذر له بشكل شخصي، و«الرئيس الأمريكى باراك أوباما كان شاهدًا على هذا الاعتذار».
وقالت وكالة جاهان التركية إن أردوغان يتحدث عن اعتذار سرى ووهمى من نتنياهو، وأمام أوباما، بعد مرور ٦ سنوات على الهجوم الذي وقع في أغسطس ٢٠١٠.
واعتبر أردوغان أن النصر الرئيسى الذي حققه تمثل في موافقة تل أبيب على دفع ٢٠ مليون دولار تعويضات للقتلى، في حين لن تدفع أي أموال للمصابين أو المعتقلين.
وحاول أردوغان التسويق لفكرة رفع الحصار عن قطاع غزة، وهو مقترح لم تقبله دولة الاحتلال، ولم توافق أيضًا على دخول مساعدات تركية أو مسئولين أتراك إلى القطاع مباشرة، وسيجرى كل شيء تحت إشراف جيش الاحتلال.
وستخضع المساعدات التركية لتفتيش ومراجعة من جانب الجيش الإسرائيلى، وستصل أولا لميناء أسدود، كما سيخضع المسئولون الأتراك الراغبون في زيارة القطاع إلى تفتيش وتدقيق إسرائيلي.
كما رفضت تل أبيب مطالب تركيا بإقامة ميناء لغزة أو إعادة فتح المطار، مما يعنى أن الوضع لن يتغير في القطاع.
وقال أردوغان إنه سيوفر المياه لسكان غزة من خلال البحر، وسيعمل على تحلية مياه البحر والتنقيب عن المياه الجوفية، وذلك بعد فشله في إقناع إسرائيل بتوصيل المياه النظيفة إلى القطاع.
وشكرت حركة المقاومة «حماس» أردوغان «على ما قدمه للقضية الفلسطينية».
وقالت الحركة، في بيان رسمي، أمس الأول الإثنين، إن «الجهود التركية تنسجم مع الموقف التركى الأصيل تجاه القضية الفلسطينية ودعم صمود شعبنا الفلسطينى والوقوف إلى جانبه».
في حين لم يصدر تعليق رسمى من السلطة الفلسطينية أو حركة فتح وبقية الفصائل التي ما زالت تعيش صدمة الموقف التركي، رغم محاولة أنقرة التسويق لفكرة وجود تنسيق مع السلطة والرئيس محمود عباس أبومازن.
وحول الأسباب الرئيسية وراء قرارات أردوغان الأخيرة أوضحت صحيفة «ديلى صباح» أن المشكلات الداخلية والإقليمية كان لها دور في القرارات المثيرة للجدل، فالولايات المتحدة تخلت عنه لصالح الأكراد، الذين تدعمهم القوات الأمريكية في مساعى السيطرة على المزيد من الأراضى في سوريا رغم اعتراض أنقرة.
كما أن وضع الأكراد حاليًا يسمح لهم بإقامة وطن قومى يضم أراضى تركية وعراقية وسورية وهو ما سيثير أزمة للنظام التركى الذي تورط في حرب أهلية داخلية مع حزب العمال الكردستاني.
ورفضت واشنطن جميع مطالب أنقرة بإقامة منطقة عازلة داخل الحدود السورية أو فرض حظر طيران، الأمر الذي يجعل الحدود التركية معرضة لأي هجمات مستقبلية، في ظل ضعف الجيش التركى وعجزه عن حماية الحدود.
وأعلن الرئيس الفرنسى الأسبق «نيكولاى ساركوزي» مؤخرًا أن تركيا لن تصبح أبدًا عضوًا في الاتحاد الأوروبي وهى دولة غير مرحب بها في أوروبا، وهو نفس الموقف الذي عبر عنه من قبل رئيس وزراء بريطانيا «ديفيد كاميرون» والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، واتفقت عليه غالبية الدول الأعضاء في الاتحاد.
وفشل أردوغان في إقناع أوروبا مؤخرًا بقضية اللاجئين والضغط عليها للقبول به عضوًا، ورغم حصوله على مليارات الدولارات مساعدات للاجئين السوريين في بلاده.
---------
.