معارك إيران للاستيلاء على الأزهر.. المشيخة مؤسسة شيعية اغتصبت من الفاطميين ويجب إعادتها
الحالة الدينية للدولة الإيرانية، من الحالات القليلة التى لا تستطيع النظر إليها بمعزل عن تداخلات عديدة، ليست فقط مع الحالة السياسية باعتبار أن إيران دولة دينية من الطراز الأول، تعلو فيها سلطة المرشد على الرئيس، أو حتى تداخلات اقتصادية فى ظل مشهد ملتبس بين عقوبات تفرض واتفاقيات تبرم فترفع بها العقوبات، فالتداخل الذى نقصده من نوع مختلف، نوع ليس قائما فى ذاته، بل يعتمد فى وجوده ويستمد قوته ويصنع معاركة من المذهب الآخر الذى يواجهه، المذهب السنى، ولمَ لا وإيران دولة قامت بمذهب ولد من رحم « مظلومية» أهل البيت، إلى أن أصبحت الشرعية الإيرانية الوحيدة قائمة على خلق المظلوميات.
حتى وأنت فى مدينة قم الإيرانية، التى تضم غالبية الحوزات ومقر معظم المرجعيات الدينية الشيعية، لن تستطيع أن تتجاهل الهالة السنية المحيطة بالمدينة، فلا تكاد تخلو حوزة علمية من ذكر جرائم السنة فى حق الشيعة -هكذا يتحدثون- بداية من جرائم بنى أمية فى حق آل البيت واضطهادهم، مروراً باضطهادهم فى دول الخليج ومصر حتى فى تلك البقعة السمراء حيث إفريقيا، والمصيبة الأكبر أن من يقف الآن فى وجهنا المؤسسة التى ُسلبت منا من قبل، فلم يكتف أهل السنة بسلبها بل باتوا يحاربوننا بها، إنها «الأزهر».
عشرات الرسائل طارت من قم الإيرانية إلى الأزهر، وأخرى من مراجع العراق، تتراوح بين التودد، وأخرى أكثر وضوحاً، تعكس حالة الحقد الدفين التى يكنونها للمؤسسة الدينية، لا سيما بعد أن فشلت محاولاتهم فى التقريب، بعد أن استيقظ الأزهر لتلك المحاولات والهدف منها، وربطها بمشروع إيران التوسعى فى المنطقة، والأيدى الإيرانية العابثة فى سوريا والعراق إلى أن فتت الوطنين.
السياسة الإيرانية
ويمكن تقسيم السياسة الإيرانية تجاه المؤسسة السنية إلى عدة مراحل، الأولى عقب ثورة يناير إلى ثورة ٣٠ يونيو، والتى استخدمت فيها الدولة الشيعية سياسة «اليد الناعمة»، والوجه المبتسم، بدأت بمباركة الثورة المصرية وتشبيهها بثورة الخمينى، رغم ألا نقاط شبه بينهما، مصحوبة بمناشدات لعلاقات طبيعية بين البلدان، وفى القلب منها بين الدولة الشيعية والأزهر، منارة العالم الإسلامى، حاولت استقطاب العديد من الوفود إلى بلدها، المهم ألا تخلو تلك الوفود من عمامة أو اثنتين من الأزهريين، وكذلك بعض الوجوه الصوفية، كان أول تلك الوفود يوينه ٢٠١١، والذى ضم عددا كالشخصيات العامة، ومن الأزهريين الشيخ جمال قطب، رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر، الشيخ أحمد كريمة، أستاذ الفقة بالأزهر، ثم تبعها زيارة لمشايخ صوفية على رأسهم الشيخ علاء أبوالعزائم، بالإضافة إلى العمامة الأزهرية التى مثلها الشيخ حسن الجناينى.
نجحت إيران فى الترويج لتلك الزيارات جيداً، بدأت تتحدث أن الخلافات السنية الشيعية ولت، والوضع أمام مرحلة من التقارب، اعتقدت أنها خطت الخطوة الأولى نحو تطويع المؤسسة السنية، الأزهر، بأن تتقى هجومها وتقنعها بالتقارب، لذلك لم يكن مستغرباً أن توجه دعوة إلى الأزهر لمشاركتهم فى عزاء الحسين بعاشوراء، فلبت المؤسسة الدينية الدعوة وبعثت ممثلا لها وهو الشيخ فؤاد عبدالعظيم، مستشار الدكتور طلعت عفيفى، فى نوفمبر ٢٠١٢، فما أن رآه الإيرانيون حتى أقبلوا عليه يقبلون يده.
ومع وصول جماعة الإخوان إلى الحكم انشرح صدر طهران أكثر، فهى التى تجمعها مع الإخوان علاقة عمرها سنوات، قائمة على التعاون الأبرز فى الدعم الإيرانى لحركة حماس، اعتقدت طهران أنها تقترب من هدفها أكثر فأكثر، فالجماعة التى تتحسس من الأزهر، لن تمانع فى التقارب بينه وبين طهران، ظهر الاستبشار الإيرانى جلياً بزيارة رئيسهم أحمدى نجاد الأولى إلى القاهرة، فبراير ٢٠١٣، ليستقبله نظيره الإخوانى آنذاك محمد مرسى، ترجمت الزيارة عن محور العقل الإيرانى وموضع الأزهر فيه، إذ كانت الزيارة بهدف حضور اجتماع منظمة التعاون الإسلامى، ومن بين ٢٦ رئيس دولة عربية وإسلامية، فقط «نجاد» الذى زحف إلى «الأزهر»، والتقى شيخه أحمد الطيب فى مكتبه، للحديث عن العلاقات الطيبة ولجنة التقريب فى الأربعينيات التى رعاها الأزهر، وضرورة أن تعود إلى التفعيل الآن.
وكانت رياح الدولة الصفوية والتقدم صوب كربلائيتها الأزهرية ليسير بما تشتهيه سفنها، لولا ٣٠ يونيو، التى أطاحت بحليفهم الإخوانى، لذلك كان أول موقف اتخذته طهران من ٣ يوليو الرفض، فوصفته الخارجية الإيرانية أنها «إطاحة برئيس منتخب»، إلا أنها وقفت عند تلك النقطة، لم تبالغ فى إظهار العداء للدولة المصرية كما فعلت تركيا.
ومع الظروف الإقليمية فى تلك الفترة، من تأزم الوضع فى العراق، والعبث الإيرانى فى الشأن السورى، بدأ الأزهر يتراجع خطوات عن نهج التقارب الذى أبداه عقب ثورة يناير، إلا أن إيران ما كان لها أن تستسلم لبداية جديدة من القطيعة بتلك السهولة، فلجأت إلى سياسة التوريط، بأن دعت الشيخ أحمد كريمة إلى زيارة لحوزاتها بطهران، وبدأت فى الترويج لتلك الزيارة على أنه مبعوث رسمى من الأزهر لبحث التعاون بينهم وبين المؤسسة الدينية، ليس فقط بل أعادوا الرجل محملاً باقتراح لتبادل البعثات العلمية بين الأزهر وقم، مبدين استعدادهم إرسال بعثات لطلاب مصريين للدراسة فى إيران، فسارع الأزهر بفك خيوط المخطط الإيرانى بأن أعلن تبرؤه من تلك الزيارة، وحولت جامعة الأزهر «كريمة» للتحقيق.
الهجوم على المؤسسة
بعد أن رأت إيران أن الأزهر ماض فى مواجهة خطتها التوسعية عبر مذهبها الشيعى، شرعت فى خطة ثانية تعتمد على مبدأ «لى الذراع» بأن بدأت التشهير بالمؤسسة فى كل المناسبات، أولهم قيادات الشيعة فى مصر، الذين بدأوا يهاجمون مؤسسة الأزهر فى كل مناسبة، ينالون من شيخها أحمد الطيب، وطالبون بعزله، وكانت أولى معاركهم معه عقب صدور بيان من الأزهر فى مارس ٢٠١٥ يندد بجرائم الميليشيات الشيعية فى العراق ضد أهل السنة، فأخذوا يتهمونه بدعم داعش، تزامنت مع حملة أوسع شنتها المراجع الشيعية على شيخ الأزهر، لتبدأ مرحلة من «حرب الرسائل»، فما أن يطلق شيخ الأزهر تصريحا، أو يتحدث فى برنامج عن الشيعة حتى يتلقفون حديثه سريعاً، ويردون عليه.
وبعد أن خصص شيخ الأزهر برنامجه فى شهر رمضان الماضى للحديث عن «الصحابة» تحديداً رد الشبهات التى ينشرها الشيعة عن الصحابة، ليس فقط بل فند خلاله المذهب الشيعى، وأبطل نظرية الإمامة التى يقولون بها، ما جعل إيران تستشيط غضباً أكثر، فناصبت العداء العلنى للمؤسسة السنية، وهاجمت وكالة «أنباء فارس» الأزهر قائلة: إن الأزهر بدأ فى مجابهة أتباع أهل البيت، وتحول ذلك إلى أولوية للأزهر بدلا من محاربة الفكر التكفيرى الذى تأججت نيرانه حاليا فى الكثير من البلدان الإسلامية، مضيفة «أن الشيخ الطيب دعا رجال الدين والشيوخ فى مصر إلى التصدى لتوجهات المصريين وميولهم صوب التشيع، وتنفيذ خطط وبرامج مختلفة طيلة شهر رمضان المبارك للتصدى لاتساع فكر التشيع، كما منع علماء الدين أن يمتنعوا عن زيارة إيران، وفى هذا السياق بدأت وزارة الأوقاف فى مصر بنشاطات محمومة فى مساجد البلاد للتصدى لأى خطوات تخدم أهداف أتباع أهل البيت.
الرسالة الإيرانية تلقفتها المراجع فى العراق، فبعثوا عشرات الرسائل إلى مؤسسة الأزهر تطالبه بالعمل على التقريب وفى باطنها الاتهامات بدعم المؤسسات الإرهابية، وتحذيره من ذلك، كان آخرها رسالة آية الله ناصر مكارم شيرازى، التى حذر فيها شيخ الأزهر من «تبنيه ممارسات مثيرة للفرقة وتنطوى على مآخذ حيال عقائد مدرسة أهل البيت، ونسب سلسلة من الرؤى المغلوطة للشيعة، أو السقوط فى مستنقع الوهابية والجماعات الطائفية» على حد وصفه.
الهوس الإيرانى
الهوس الإيرانى بالأزهر، وحالة الاهتمام بكل ما يصدر عنه، ولو بضع كلمات فى حقهم، فيأخذونها ويردون عليها، ليست من فراغ، فالنشأة الشيعية للأزهر على أيدى الفاطميين، هى التى خلقت حالة المظلومية تلك لديهم، مصحوبة بالحقد والكره لصلاح الدين الأيوبى الذى استطاع أن يجعل المساجد شيعية المذهب، المنبر الأول لأهل السنة الآن.
لم يأتى الفاطميون إلى مصر حاملين سيوف بقدر ما جاءوا يحملون عقيدة، يسعون إلى نشرها، فالرسالة التى ورثها المعز، الخليفة الفاطمى الذى فُتحت مصر فى عهده، عن آبائه وأجداده توصيه بالتوجه صوب مصر لم تكن لشيء سوى نشر المذهب، لذلك كان تأسيس مسجد ضخم يصبح بمثابة المركز لنشر المذهب، واعتباره أولوية لديهم، لم يكن مستغرباً.
وكما تولى القائد جوهر الصقلى الفتح الفاطمى لمصر، أشرف بنفسه على عملية بناء الجامع الأزهر، فاختار له موضعا متميزا فى قلب القاهرة، بدأت عملية التدشين فى ٣٥٩ هـ/ ٩٧٠م واستمرت عملية التدشين عامين، فافتتح للصلاة أول مرة يوم الجمعة ٧ رمضان ٣٦١هـ/ ٩٧٢م، وبدأ التدريس فيه بنظام «الحلقات»، ولما أحكم الفاطميون سيطرتهم على الدولة، قصروا التدريس فيه على المذهب الفاطمى، وتعاليم الشيعة فى الدين والفلسفة والتوحيد، وفى عام ٣٦٩هـ/٩٧٩م بدأت حلقات الأزهر تتحول إلى دراسة جامعية منظمة مستقرة.
نجح الفاطميون فى فرض المذهب الشيعى فى مصر، إلى أن أصبح فى كل منطقة حسينية أو أكثر، دشنوا آلاف الأضرحة الموجودة حتى الآن، ضيقوا على المتمسكين بالمذهب السنى، حتى أصبحت قراءة كتاب البخارى «جريمة».
مع ضعف الدولة الفاطمية، وعجزها عن مواجهة الصليبيين، استنجد الخليفة الفاطمى بحاكم الشام السنى نور الدين زنكى، الذى كان تابعاً للدولة العباسية آنذاك، فبعث إليه القائد صلاح الدين الأيوبى، الذى بدأ شيئاً فشيئاً يصبح المسئول عن كل شيء، مهمشا دور الخليفة الفاطمى، وبعد وفاته، تولى أمر مصر، وأسس الدولة «الأيوبية»، ومن الملاحظ أن صلاح الدين لم يسارع بفرض المذهب السنى من جديد، بل اعتمد على سياسة التغيير التدريجى، التى امتدت سنوات بدأها فى حياة الخليفة الفاطمى.
بدأ عملية إحلال المذهب السنى بدلاً من الشيعى الفاطمى عبر تدشين عدة مدارس فى مصر والشام لتدريس الفقه السنى، منها المدرسة الناصرية والمدرسة القمحية والمدرسة السيفية فى مصر، ومنها المدرسة الصلاحية فى دمشق، ومدرسة بنفس الاسم فى القدس، كما حذف عبارة «على ولى الله»، من على العملة، وأمر بإلغاء شعائر المذهب الشيعى فى العبادات وأبرزها الأذان فاستبدل «حى على الفلاح» بـ«بحى على خير العمل»، وعطل الجهر بالبسملة فى الصلاة، المتبعة فى المذهب الشيعى، وأعاد صلاتى الضحى والتراويح، اللتين أوقفهما الفاطميون.
ظل «الأزهر» هو المعضلة الأكبر لدى صلاح الدين، لم يحاول أن يستعين به فى نشر مذهبه السنى بداية الأمر، بل عمد إلى تهميشه، فتهميشه أهون على غالبية الشعب الذى دان بالمذهب الشيعى الفاطمى سنوات طويلة، من أن يتحول بقوة السيف والسلطة إلى المذهب السنى، فمنع صلاة الجمعة فى الجامع الأزهر وجامع الحاكم، حتى عملية المنع لم تأت دفعة واحدة، بدأها بأن أصبح يصلى بالمسلمين فى مسجد الحاكمى، ثم ولى القضاء لصدر الدين عبدالملك بن درباس، الشافعى المذهب، والذى يقضى بمنع إقامة خطبتين للجمعة فى بلد واحد، ومن هنا كان المبرر لتعطيل الصلاة فى الأزهر، واستمر لفترة مائة عام حتى أعاد الظاهر بيبرس فتح جامع الأزهر سنة عام ١٢٦٦م.
كما لجأ صلاح الدين إلى حرق الكتب الشيعية، فيذكر كتاب سلاطين مصر الإسلامية زمن سلاطين بنى أيوب، أن صلاح الدين «عمد إلى الآلات الملوكية الفاطمية، وكنوز القصر الفاطمى، فعمل على إفسادها وأهدى بعضها إلى نور الدين زنكى، والبعض الآخر إلى الخليفة العباسى، ثم طرح باقيها للبيع، بحيث دام البيع فيها مدة عشر سنين، وتنقلت إلى البلاد بأيدى المسافرين الواردين والصادرين، وتحول إلى كتب الدعوة الإسماعيلية، التى احتوت عليها مكتبة القصر الفاطمى، فأحرقها وألقاها على جبل المقطم، ثم فرق الكتب غير المذهبية التى صودرت من مكتبة القصر على كبار علماء وأنصار دولته، مثل العماد الأصفهانى والقاضى الفاضل، وأبى شامة الأصفهانى، ما يؤكد أن هدف صلاح الدين كان إحراق كتب الدعوة الشيعية الرافضية فقط.
-----------------------
.